المشهد الحادي عشر:

 

عدنان جالس على عتبة المنزل مطلق الرأس حزين.

يرفع رأسه ليشاهد منزل كلبه الفارغ ثم يخفض عينيه. يقف و يدخل إلى المنزل.

- عدنان: ألم تتكلم ياسمينة بعد؟

-الأم(جالسة على فراش ياسمينة): هي كما عهدتها. عيناها لا تكاد تتحولان عن السقف... أنفاسها ضعيفة  و لا تأكل إلا قليلا.

- أمينة ( نرى في عينيها حقدا جامحا): اللعنة عليهم. الأوغاد. يجب أن يموتوا.

- عدنان: أمي ... هل ستموت أختي؟

- الأم: كلا يا بني... إنها بخير إن شاء الله. هي فقط متعبة.


المشهد الثاني عشر:

 

قاربت الشمس على الغروب و الجنديان مختفيان تحت ربوة بأوراق شجرة كثيفة الأغصان.

-دليبار: لقد تمكنا من الفرار بأعجوبة.

-بيتار: (ناضرا إلى كفه الدامية) لكن كفي ينزف و أخشى أن تتعكّر حالته. (وهو يتحسس يده): آي يدي... الأوغاد كيف تفطنوا إلى وجودنا بالغابة.

(يدخل يده الأخرى في الجيب الداخلي لقميصه يخرج منديلا أخضر يضمد به جرحه ثمّ يتحسس من جديد جيبه) : دبا لقد أضعت كل أوراقي.

- دليبار : لا يهم. المهم أننا نجونا منهم و أمّا عن جراحك فلا تخف. غدا سنلقى سينيسا عند الوادي و ستعود إلى المخيم للتداوي.


المشهد الثالث عشر:

 

زوج سنالا  في بيته يتأمل الرشاش. تدخل زوجته سنالا.

سنالا تغلق باب المنزل و تتكئ عليه و عيناها محدقتان في الفراغ دون أن تنتبه إلى زوجها.

- زوج سنالا: كيف هي حالة الفتاتين؟

- سنالا: أرجو أن تنسيا ما حصل لهما في أقرب وقت. (ثم تنتبه إلى زوجها فتسأل في دهشة): ماذا أرى بين يديك؟ رشاش ؟ من أين لك هذا؟

- الزوج : (في استهزاء) هو من غنائم الحرب (يسكت قليلا. سنالا تقترب منه في استفهام): لقد وجدته عند مكان الحادثة. لا شك أنه ينتمي إلى أحد الجنديان.

- سنالا: (وهي تتلمس الرشاش) إنه رائع. يبدو أنه أوتوماتيكي. لعلّ أحد الجنديان فرّ بدون أن يتمكن من أخذ سلاحه.

- الزوج: نعم....لقد أصبنا أحدهما في يده و لولا أن صاحبه واجهنا برشاشته لظفرنا بهما... وجدت أيضا محفظة الأوراق هذه (وهو يخرجها من جيبه)

- سنالا: ماذا يوجد بها؟

- الزوج: (يخرج بطاقة و يقرئها) إنه يدعو بتار ساراجليك من مواليد 1968 ولد  ببلغراد مجرد جندي من القوات البرية.

(يتفحص بعض الأوراق الأخرى) رقم تليفوني...رسالة...(ثم يخرج صورة الغانية و يرجعها)....بعض النقود.

- سنالا: هل أخبر أمّ ياسمينة بهذا الأمر؟

- الزوج: لا أرى فائدة في إخبارها... على الأقل الآن.


المشهد الرابع عشر:

 

- الطبيب (و قد انتهى من فحص ياسمينة): منذ متى و هي في هذه الحالة؟

 -الأم: منذ شهرين. لقد تعرضت ابنتي إلى اعتداء من قبل جنود الصرب. خطفوها هي و أختها و...(تصمت الأم) و  من يومها و هي كما ترى, لا تتكلم و لا تأكل إلا قليلا... عيناها تمعنان في السقف و كأنها ليست بيننا.

- الطبيب: نعم... الآن فهمت... ابنتك سيدتي لم تستطع أن تتحمل الصدمة. إنها في حالة ذعر من جراء ما جرى لها. أظنها مرهفة الحس أليس كذلك؟ و لكن لا  تخافي ستتحسن حالتها شيئا فشيئا. حاولوا أن تدخلوا البهجة و السرور في هذا المنزل  و لا تذكروا الحادثة أمامها أبدا... حدثيها عن كل ما يحدث من أمور البيت و كأنك تحدثين أختها...و لكن....للأسف...

- الأم:   ماذا يا دكتور؟

- الطبيب: (يغادر الغرفة فتتبعه الأمّ. يغلق الطبيب باب الغرفة و يقول في صوت منخفض) للأسف سيدتي إن ابنتك حامل؟

- الأم: (و قد تفتحت عيناها) حامل؟ يا إلاهي...هل أنت متأكد مما تقول يا دكتور؟

- الطبيب: نعم سيدتي.

- الأم: مستحيل...لا بد أن يموت...لا يمكن أن يعيش....يجب أن تجهض...أليس كذلك دكتور؟

- الطبيب: أن نقوم بعملية إجهاض لإبنتك و هي في هذه الحالة يعني أن نعرض حياتها للخطر. إنها ضعيفة و ضغط الدم منخفض جدا. العملية قد تضيع حياتها.

- الأم: ما الحل إذن؟

- الطيبب : أرى أن نحتفظ بالجنين في هذه الفترة. لعل حالة ابنتك تتحسن في أقرب حين.

- الأم: و إذا لم تتحسن حالتها إلاّ بعد شهور؟

- الطبيب: (خافضا عينيه) حينها يصبح من المعقد جدا إجراء العملية.

- الأم (في حزن): مسكينة ابنتي. كيف يمكن أن تعيش بعد اليوم و في بطنها ما يذكرها طوال حياتها بالحادثة التي تعرضت لها. يا إلاهي أي مصير ينتظر ذلك الجنين؟ أنقتل صغارنا أم نتحمل عارنا؟

- الطبيب: هوني عليك سيدتي. ليكن إيمانك قويا. أنا أنصحك أن تحتفظي بالجنين هذا أسلم لصحة ابنتك. و لا تنسي أن تحدثيها دائما أخبارا سارة . كوني مرحة معها. أسمعيها بعض الموسيقى و ستستعيد صحتها في أقرب الأوقات بإذن الله.

 

الأم مطرقة تشير برأسها موافقة.


المشهد الخامس عشر:

 

المدلّكة جلينة تمسك بيد بيتار و هي تحرك أصابعه ببطء.

- جلينة: حاول أن تثني إصبعك أكثر...أكثر...

- بيتار: لا أستطيع. آي إصبعي. إنه يؤلمني.

- جلينة : أنت محظوظ فلولا  أنّ الخرطوشة لم تلمس الأعصاب  لما استطعت أن تحرك أصابعك من جديد.

- بيتار: هل إصابتي خطيرة إلى هذه الدرجة؟

- جلينة: لا تخف ستستعيد يدك حركتها الطبيعية خلال شهرين في أقصى الحالات.

تتجه جلينة نحو خزانة تخرج منها مرهما و تدلك به يد بيتار.

- بيتار: (مازحا) إن يديك قادرتين على شفاء كل جراح بدون مرهم.

- جلينة : (تخفي ضحكاتها) كفانا غزلا و دعنا في أمور الجد. هل ستلتحق بالجنود بعد شفائك؟

- بيتار: طبعا. لا أظن أن إصابتي ستعوقني عن حمل السلاح بمهارة كما كنت أفعل.

- جلينة : (في سخرية) بمهارة ؟ و كيف خانتك هذه المهارة يوم أصبت؟

- بيتار: تلك ظروف أخرى . لقد داهموني و أنا في معزل  عن السلاح.

- جلينة : الجندي الماهر لا يغفل عن سلاحه.

- بيتار: أنت لا تعرفين شيئا من أمور الحرب. (مستدركا) في الحقيقة لقد تقدمت بمطلب للحصول على وظيفة بوزارة الدفاع. لي صديق يعمل هناك وعدني بأن يبذل قصار جهده كي يقبل مطلبي. (يصمت قليلا ثم يضيف) إذا دخلت الوزارة يا جلينة  سأصبح في يوم ما شخصية مرموقة.

- جلينة: يا لك من مغرور. ألا ترى أنك واثق من نفسك أكثر من اللازم؟

- بيتار : أنت لا تعلمين مواهبي.

- جلينة: ( ساخرة) آه عفوا سيدي وزير الدفاع. (و هي تغسل يديها من المرهم) انتهت حصة اليوم. موعدنا بعد أسبوع.

- بيتار: شكرا لك يا أجمل مدلكة في العالم. (ينصرف بيتار)

- جلينة : (ضاحكة) ياله من شقي.


المشهد السادس عشر:

 

طلع النهار فأذّن الديك بمنزل العائلة. الأم في المطبخ تحضر قهوة. نرى ياسمينة نائمة في فراشها. تفتح عينيها. تحركهما ببطء إلى اليمين فترى نافذة ثم إلى اليسار فترى باب المطبخ.

- ياسمينة : (في صوت منخفض) أمي....أمي....

- أمينة: (وقد كانت نائمة تستيقظ في دهشة) ياسمينة؟ (تقترب من أختها)

- ياسمينة: أمينة. أين أمي؟

- أمينة: أخيرا تكلمتي؟ حمدا لك يا رب. أمي...أمي..أين أنت؟

- الأم: (تجيب من المطبخ) أنا هنا . ماذا هناك؟

- أمينة :(مسرعة نحو المطبخ) ياسمينة...لقد تكلمت.

- الأم. (مسرعة نحو ياسمينة ثم تقترب منها بهدوء) ياسمينة. أنا أمك. هل تسمعينني؟

- ياسمينة: أمي...أنا جائعة. (ثم تنظر إلى أختها. تغمض عينيها ثم تفتحهما بلطف) أمينة. أنت بخير. لقد خلتك مت يومها. كنت ملطخة الرأس بالدم...ثم حملوك...ثمّ...

- الأم : (مقاطعة) ياسمينة أرجوك انسي كل ما حصل. دع الماضي و شأنه. ما رأيك في كأس حليب بالعسل؟

تتحرك ياسمينة في الفراش محاولة الجلوس فتساعدها أمها و فجأة تتجمد ياسمينة في مكانها و تتلمس بطنها المنتفخ في خشية.

- ياسمينة : ما هذا يا إلاهي؟ أمي...هل... (الأم تطأطىء رأسها) لا...لا...(باكية)

- الأم: اهدئي بنيتي أرجوك.

- ياسمينة : منذ متى؟

- الأم: منذ... خمسة شهور.

- ياسمينة: خمسة شهور؟ هل كنت غائبة عن وعيي خمسة شهور كاملة؟ لا... مستحيل...يجب أن يموت...نعم...

- الأم: هوني عليك يا ابنتي. أرجوك اهدئي . لقد نصح لك الطبيب بعدم تشنج الأعصاب.

- ياسمينة (صائحة) : أنا لا أريده. أمينة.... لا بد أن أجهض أليس كذلك؟

- أمينة: (تخفض عيناها) الطبيب يقول أن عملية الإجهاض مستحيلة و خطيرة جدا في هذه المرحلة.

- ياسمينة: لا..لا...أنا لا أريده. إنه من أصل حقير. إن والده مجرم. سفاح. أنا لا أريده. آه...آه رأسي ...يا إلاهي لماذا لم تخلقني عاقر...لماذا لم أمت؟

- الأم: هذا الطفل هو مخلوق بريء لماذا تحملينه مسؤولية أبيه؟

- ياسمينة: لا تقولي أبيه. إنه لا يستحق نعت الأب. إنه وحش...حيوان...

- الأم(في حسرة): لو تحسنت حالتك منذ الأيام الأولى لكان من الممكن أن تقومي بعملية الإجهاض. أما الآن فمستحيل. اهدئي بنيّتي و تحلي بالصبر. هكذا شاءت الحكمة الإلاهية.

تهدأ ياسمينة نوعا ما و تتمدد في فراشها.

- الأم: سأحضر لك كوبا من القهوة.

 

ياسمينة لا تجيب.


المشهد السابع عشر:

 

بيتار و جلينة يجلسان إلى طاولة في أحد النزل و قد انتصبت عليها شمعة.

- بيتار: ماذا تشربين؟

- جلينة: عصير البرتقال.

- بيتار (مناديا النادل) كأسين من عصير البرتقال من فظلك.

- جلينة: (ناظرة إلى يد بيتار) كيف حال يدك الآن؟

- بيتار: هي بخير كما ترين. أقوى مما كانت عليه. و طبعا كل هذا بفظلك أنت. أعني بفظل يديك الماهرتين.

- جلينة: أوه... إنك تبالغ يا بيتار. (تصمت قليلا ثم تضيف كأنها أرادت أن تغير الموضوع  حين لاحظت أنه يديم النظر إليها)  و كيف هي أحوال عملك الجديد؟

- بيتار: على أحسن ما يرام. منذ أن دخلت الوزارة  أصبحت أشعر بالاستقرار. ألم أقل لك؟ سترين كيف سأصبح...

- جلينة: (مقاطعة) وزيرا. أليس كذلك؟

- بيتار: أنا لا أدعي هذا و لكن بإمكاني أن أصبح شخصية مرموقة. فأنا فدائي و وزارة الدفاع مدينة لنا.

- جلينة: على فكرة هل تظن أن هذه الحرب ستنتهي في يوم من الأيام؟

- بيتار: لا تخافي لن يقاوموا طويلا. إننا منتصرون ميدانيا و معنويا.

- جلينة: أصحيح ما تقوله القنوات الأجنبية أن جنودنا تغتصب بناتهم؟ بكل صراحة أنا لا أوافق على مثل هذه الأعمال.

يتحرج بيتار من الإجابة و ينقذه النادل حيث يأتي بأكواب العصير.

- بيتار: شكرا.

- جلينة: صحيح أن الحرب خدعة و لكن ليس سفاح و...و...(وقد لاحظت أن بيتار قد غرق في سكوت) لا تقل لي أنك أيضا قمت بمثل هذه الأعمال.... بيتار...تكلم.

- بيتار: (و كأنه أفاق من سبات) أوه... كلا طبعا. أنا أوافقك الرأي. في الحقيقة ما أضنها إلا إشاعات فكل العالم ضدنا. إنهم يريدون أن يشوهوا صمعتنا.

- جلينة: (مبتسمة) نعم. أنا متأسفة إن أسأت الظن بك... أنت إنسان طيب و قلبك حنون.

- بيتار: (و كأنه قد اختنق بشرب العصير) دعينا من أمور الحرب الآن. لا أدري كيف انسقنا في هذا الحديث.  جلينة... عزيزتي... أنا في الحقيقة قد أتيت بك إلى هنا لأقول لك أن الوقت قد حان لنفكر بجدية في علاقتنا.... جلينة هل تقبلين بي زوجا؟

- جلينة: ألا ترى أن الوقت لم يحن بعد للحديث عن الزواج. أنت إنسان ممتاز و لكن...

-بيتار: و لكن ماذا؟

- جلينة: أنا لا أعرف عنك إلا القليل.و....و ظروف الحرب لا تساعد على الارتباط...ظروفنا صعبة...و

- بيتار: أية ظروف؟ العمل قد ضمنته و المنزل اكتريته. أنت تثقين بي على الأقل أليس كذلك؟

- جلينة:  طبعا عزيزي.

- بيتار: إذا قولي أنك موافقة.

- جلينة: حسن أمهلني لفترة أفكر فيها مليا . سأعلمك بقراري بعد يومين.

- بيتار: هو الأمر كما شئت.


المشهد الثامن عشر:

 

ياسمينة في الإسطبل تحمل سطلا من الحليب بينما أمينة تحلب البقرة. تتوقف ياسمينة فجأة  و تمسك بطنها ثم تتأوه. تنتبه إليها أمينة فتسألها.

- أمينة: هل أنت بخير؟

- ياسمينة: لا أدري أحس بآلام في بطني... آه.

تجري أمينة نحوها تمسك بيدها و تسندها للدخول إلى المنزل.

- أمينة: كان عليك أن ترتاحي. مثل هذه الأعمال قد تضر بك و بجنينك.

 

نشاهد بيتار و جلينة في الكنيسة بصدد الاحتفال بزواجهما.

- الكاهن: آنسة جلينة هل تقبلين بالسيد بيتار  ساراجليك زوجا لك و هل تتعهدين بأن تصوني شرفه و أن ترعاه إلى آخر لحظة في حياتك؟

- جلينة: نعم.

- الكاهن: سيد بيتار هل تقبل بالآنسة جلينة كبيتنوفيك زوجة لك و هل تتعهد بأن تصون شرفها و أن ترعاها إلى آخر لحظة في حياتك؟

- بيتار: (وهو ينظر إلى جلينة) نعم.

- الكاهن: الكنيسة تعلن أنكما زوجين سعيدين أمام الله و الناس.

نسمع تصفيق الحاضرين بينما ينظر العروسين إلى بعضهما في سرور.

 

 

نشاهد الآن ياسمينة على الفراش تتلوى من الألم.

-الأم: أظنه المخاض يا إلاهي كن مع ابنتي.

- أمينة : و لكنها في الشهر السابع فقط.

- الأم: قد يحدث هذا أحيانا. أمينة تعجلي و أسخني الكثير من الماء.

تخرج أمينة متعجلة.

- الأم: عدنان ...عدنان...

- عدنان (يأتي جاريا): نعم أمي. لماذا تصرخ ياسمينة هكذا؟

- الأم: يبدو أنها ستضع جنينها. اذهب و نادي سنالا. قل لها أن تحضر بسرعة.

 

 

نرى الآن بيتار و جلينة يخرجان من الكنيسة و الجموع يرش عليهما الورود و حبات الأرز. يخرج العروسان ببطء و يمتطيان عربة يجرها حصانان.

 

 

عدنان و قد وصل إلى منزل الجارة جاريا.

-عدنان: (مناديا) خالتي سنالا. خالتي سنالا.

- سنالا : (وهي تفتح الباب) عدنان. ماذا يجري هل أنتم بخير؟

- عدنان: أمي تقول أن ياسمينة ستلد و تدعوك لمساعدتها.

- سنالا: (و هي تحمل بعض الأغراض تخاطب زوجها) عليّ أن أذهب الآن. انتبه إلى ابننا الصغير. (نشاهد الطفل الصغير و هو يحبو على زربية باتجاه دمية قماشة)

- زوج سنالا: حسن اطمئني. عدنان تعالى...ادخل. (يدخل عدنان) ألا تريد أن تجلس حذوي إلى أن تلد أختك. قد لا تتحمل صراخها.

 (يجس عدنان  على كرسي مطرقا ثم ينتبه إلى الصغير فيذهب بجانبه يلاعبه)

 

بيتار و جلينة يصلان إلى باب حديقة المنزل و بعض الأصدقاء معهما. نرى الآن تارة ياسمينة و هي في حالة مخاض و تارة العروسين و هما يتقدمان إلى باب منزلهما ببطء. و فجأة نسمع صوت الرضيع الجديد. تحمله الجدة بين يديها مبتسمة و هي تقول : إنه ولد...ذكر.

بيتار و جلينة و قد قاربا الباب. و فجأة ينظر بيتار إلى الباب فيخيل إليه أنه يرى ياسمينة في ثياب بيضاء كاللتي تحملها جلينة. يغمض بيتار عينيه ثم يفتحهما فيخيل إليه أنه يرى ياسمينة  ضاحكة ثم يتغير وجهها ليصبح مرعبا. بيتار وقد بدا الرعب على وجهه يتوقف عن المشي يفتح رقبة قميصه.

- جلينة: بيتار. هل أنت بخير؟

- بيتار: (يحدق في باب المنزل من جديد فلا يشاهد شيئا) أنا بخير لا تقلقي. يبدو أن مشاق الزفاف قد أثرت علي نوعا ما.

- جلينة: هل نستدعي طبيبا؟

- بيتار: لا ..لا..الأمر لا يستحق هذا أنا بخير.(في استهزاء) سأبرهن لك عن ذلك.

يدخل العروسان إلى النزل و يغلق الباب.

 

- الأم (و هي تلف الرضيع): استمعوا إلى بكاءه إنه يبكي كالعصفور.  (ثم تحمل الرضيع و تضعه حذوأمه) ياسمينة...ابنتي...هذا ابنك. مبارك عليك.

ياسمينة لا تنطق بحرف ثم تلتفت إليه بحذر و كأنها تخشى رأيته ثم تبعد عنه نظراتها بسرعة دون أن تنطق بحرف.

- الأم: سنسميه أدمير. ما رأيك؟

 

و تمضي خمسة سنوات.


المشهد التاسع عشر:

 

ياسمينة تجمع البيض من الأعشاش و تضعه في  سلة صغيرة.

- ياسمينة (منادية): أدمير...أدمير...تعالى واحمل هذا إلى جدتك.

يدخل الطفل الصغير (خمس سنوات) إلى الإسطبل.

- أدمير: نعم أمي هل ناديتني؟

- ياسمينة: نعم خذ هذه السلة و احملها إلى جدتك.

أدمير يحمل السلة و يخرج بها لكنه يتعثر في عصا فيسقط و يهشم البيض. تجري نحوه ياسمينة غاضبة ساخطة

- ياسمينة: يا لك من أبله إنك لا تحسن فعل أي شيء سوى اللعب و التهريج خذ (و تنهال عليه ضربا)

- أدمير (باكيا): أمي أرجوك سامحيني. (ثم يفر من قبضتها و يجري نحو المنزل صائحا بينما تلاحقه أمه) جدتي...جدتي...قولي لأمي أن تكف عن ضربي.

- الجدة : (و قد سمعت صراخ حفيدها تخرج لإغاثته) ياسمينة...ياسمينة...(و هي تسعل)  أرجوك. ألم أنهاك عن ضربه (و هي تضم أدمير إلى صدرها) إن ملاكا كهذا لا ينبغي أن يضرب.

- ياسمينة: ملاكك هذا قد هشم البيض.

- أدمير: لقد تعثرت في عصا فتهشم البيض.

- الجدة: و ماذا يساوي البيض أمام ابنك؟ ثم إن الذنب ليس ذنبه...(و هي تسعل) إنما العصا هي التي أسقتطه.

- ياسمينة: ذلك من بلاهته.

تدخل الجدة حاملة الطفل بين يديه ثم تجلس على كرسي أمام الطاولة.

- أدمير: جدتي...لماذا تعاملني أمي بهذه القسوة؟ لماذا هي لا تحبني؟

- الجدة: لا تقل هذا يا صغيري فليس هناك أم لا تحب صغارها.

- أدمير: إذا لماذا تضربني دائما؟

- الجدة: ربما لأنها متوترة نوعا ما.

- أدمير: كلا. إنها دائما تنعتني بالأبله.

- الجدة: بل أنت رجل صنديد.

- أدمير: أنا أحبك جدتي لأنك عطوفة و تحبيني كما تحب خالتي سنالا ابنها أمير... لو كان أبي حيا...قولي جدتي هل كان أبي قويا و كيف مات في الحرب؟

- الجدة: لقد حكيت لك مرارا عن أبيك.

- أدمير: أرجوك جدتي.

- الجدة: (و هي تسعل) لقد توفي أبوك في الحرب عندما كان يقاتل مع الرجال. كان طويل  القامة قوي العضلات بشوش الوجه.

نرى ياسمينة خارج البيت و هي تنصت إلى كلام أمها محدقة في الفراغ.

- أدمير: أليس لديكم صورة لأبي؟

- الجدة: (مرتبكة) كلا....لقد أخفيتها عن أنظار أمك بعد ممات أبيك لأنها كانت كثيرة البكاء كلما شاهدت الصور. لهذا هي دائما متوترة.

- أدمير: أين أخفيت الصور؟

- الجدة: (وهي تسعل) أخفيتها في الإسطبل. ثم إني لم أجدها... يبدو أن المعز قد أكلها فهو يأكل كل شيء.

يبتسم أدمير. يفتح الباب فتدخل ياسمينة و أمينة.

- الجدة: اذهب و قبّل أمك الآن.

- أدمير: (يمشي  نحو أمه في حذر) سامحيني أمي.

- ياسمينة:  حسن.

- الجدة: اذهب الآن و العب مع أمير ابن سنالا.

يخرج أدمير.

-الجدة: حرام عليك ما تفعلينه مع ابنك لقد جعلتيه يشعر بأنك لا تحبينه. ما ذنبه بالله عليك؟ إن لم تحسني معاملته فإنك ستخسرينه. أؤكد لك.

- ياسمينة : (مقاطعة بشدة) و ماذا تراني قد فعلت به؟ أنا أربي ابني فقط.

- الأم: هذه ليست طريقة تربية إنها طريقة تعذيب.

- ياسمينة: (متأثرة) أرجوك أمي...كفّي عن تقريعي...فأنا كأي أم أحب ابني...و لكن ما عساني أفعل؟ كلما نظرت إليه رأيت في وجهه قسمات ذلك الصربي. كلما حاولت أن أضمه أو أقبله تذكرت...أنت لا تستطيعي أن تشعري بما أشعر به.

- الجدة: و لكنه طفل بريء فلم تحملينه ذنب غيره؟

- أمينة: صحيح أني لم أحمل مثلك و لكني تعرضت إلى نفس الإعتداء...

- ياسمينة (مقاطعة): أنت كنت غائبة عن الوعي أما أنا...

-أمينة: (مقاطعة) نعم و لكن عليك أن تنسي الماضي و أن تتفاءلي بالمستقبل.

- ياسمينة: (في سخرية) أتفاءل؟

- أمينة: نعم تفاءلي بالمستقبل. ها إن الأخبار تقول بأن الحرب ستضع أوزارها و أن الصرب سينسحبون .

- الجدة: ياسمينة عديني أن تحسني معاملة ابنك. أرجوك.

- ياسمينة: حسن...حسن... (محاولة تغيير الموضوع) و لكن قولي لي هل صحيح أن أخ سنالا يرغب في التقدم لخطبة أمينة؟

- الجدة: نعم.(و هي تسعل) لقد لقيها الشهر الفارط عندما ذهبت أمينة عند سنالا لاقتناء بعض السميد فأعجب بها و فاتح أخته في موضوع خطبتها.

- ياسمينة (لأمينة): و هل أنت موافقة؟ هل أقول مبروك؟

- أمينة: لكنه مستقر بفرنسا.

- ياسمينة: و ماذا في ذلك. على الأقل في فرنسا يعيش الناس في سلام.

- أمينة: لكني لا أريد أن أعيش بعيدة عنكم؟

- ياسمينة: (مازحة) أحذرك ستصبحين عانسا.

- أمينة : (مبتسمة) لا أدري و لكن كيف أدعكما وحيدتان و أمي لم تشف بعد من مرض السعال هذا الذي أصبح يقلقني جدا.

- الجدة: لا تخشى علي شيئا فأنا بخير. المهم هو سعادتكم. الرجل يبدو طيب و بالرغم من أن سنالا روت له عما جرى فإنه لم يتردد لحظة في موقفه بل تعاطف معنا.

- أمينة: يجب أن أفكر مليا في الموضوع.


المشهد العشرون:

 

إنه الليل  بقمره المكتمل يخيم على المدينة. الطرقات  لا تكاد تخلو من السيارات و حركة المرور مكتظة. تصل سيارة سوداء أمام منزل فخم يفتح الخادم باب السيارة  فينزل بيتار و جلينة منها و كلاهما يرتدي ملابس فخمة.

 

- بيتار: هيا بنا إذن لندخل.

- جلينة: أنا مرتبكة نوعا ما. فهذه أول مرة أحضر فيها حفلة تجمع شخصيات من أعيان البلاد.

- بيتار: لا عليك ستتعودين على ذلك يا عزيزتي. المهم أن تكوني لبقة و لا تبخلي بابتسامتك الجميلة. فأنا أعول كثيرا على هذه السهرة حتى أتعرف على الكثير من الشخصيات. عزيزتي إن نصف النجاح يتوقف على إنشاء علاقات طيبة مع هؤلاء الناس.

يدخل بيتار و جلينة إلى المنزل الفخم. إنهما الآن في بهو كبير. نرى العديد من الشخصيات المرموقة. إنه منزل الكاتب العام لوزارة الدفاع الذي أقام هذه الحفلة بمناسبة رأس السنة الميلادية كما يبدو ذلك من الزينة و الفوانيس و تماثيل بابا نوال. يأتي أحد الخدم فيأخذ كل من معطف بيتار و جلينة. نرى بعض الرجال واقفين في حلقة و في أيديهم كؤوس الخمر. بعضهم يتحدث و بعضهم يضحك....و فجأة يلمح أحدهم بيتار فيستأذن و يذهب لاستقبال بيتار.

 

- سينيسا: بيتار...ها أنت قد وصلت أخيرا.

- بيتار: أهلا سيد سينيسا. شكرا على دعوتك الكريمة. إنه لشرف كبير. أقدم لك زوجتي جلينة.

- سينيسا: احتراماتي سيدتي.

- جلينة: فرصة سعيدة سيدي.

- بيتار: أقدم لك السيد سينيسا كاتب عام وزارة الدفاع.

- سينيسا: (مستدركا في تواضع) و الأهم من ذلك صديق قديم. لقد كنا بمثابة الأخوين أيام طفولتنا.

- بيتار: لا يمكن أن أنسى تلك الأيام الجميلة كنا لا نفترق ليلا و نهارا.

- سينيسا: تفضلا أرجوكما و استمتعا بالحفل.

يأتي النادل فيهمس في أذن سينيسا.

- سينيسا: على إذنكما.

- بيتار: تفضل أرجوك.

ينصرف سينيسا.

- جلينة: الكل ينظر إلينا. أشعر بالإحراج بين كل هذه الشخصيات المرموقة.

- بيتار: (مازحا) و هل زوجك المحترم ليس من الشخصيات المرموقة؟

- جلينة: (مبتسمة) عفوا سيدي أنا لا أشك في مواهبك و لكنهم من طبقة لم أعهد العيش فيها.

- بيتار: دعك من ذلك هيا كوني شجاعة و تعالي أعرفك على البعض منهم.

يستوقف بيتار النادل فيأخذ كأسين من النبيذ و يعطي أحدهما لزوجته.

- بيتار:(مبتسما) سنة حلوة عزيزتي.


المشهد الحادي و العشرون:

 

أدمير و عدنان جالسان على زربية قديمة يلعبان. أما أدمير فهو يلهو بطائرة خشبية تتكون من قطعتين متقاطعتين من الخشب. أما عدنان فإنه تصدى لهجمات الطائرة بسبابته التي كانت تتبع حركات الطائرة.

- أدمير: باف...لقد أصابتك قذائفي.

- عدنان: كلا...أنا لم أمت بعد. سأحاربك برشاشي.

 يتناول عدنان عصا صغيرا و يوجهها نحو الطائرة

- ياسمينة: (و هي تستمع إلى أغنية بالمذياع) كفانا حروبا فما عندنا يكفي.

- الجدة: دعهما يلعبان. (و هي تسعل) آمل أن يصبح ابنك ضابطا كبيرا حتى يدافع عن وطنه.

- أدمير: أنا لا أحب أن أصبح ضابطا يا جدتي بل أريد أن أكون طبيبا حتى أداويك من هذا السعال.

- الجدة: (مبتسمة) نعم يا صغيري. أدعو الله أن يحقق لك ما تتمنى.

- عدنان: على ذكر الأمنيات. هل صحيح أن ما نتمناه ليلة رأس السنة يتحقق؟

- ياسمينة: كان أبي يقول ذلك. كنا نحتفل كل سنة بهذه المناسبة. أما اليوم فالحرب حرمتنا من كل احتفال.

- الجدة: رحم الله والدك. كان يريد دائما أن يدخل الفرحة و السرور على قلوبنا.

 - ياسمينة: كنا نذهب كل ليلة رأس سنة إلى مدينة الألعاب فنرقص و نمرح حتى حدود منتصف الليل. ثم نعود إلى منزلنا فنتناول بعض المرطبات و يتمنى كل واحد منا أمنية العام المقبل.

- عدنان: أتمنى أن تزول الحرب و أن يعم السلام...و أتمنى أن أجد عملا جيد يوفر لنا رزقا مضمونا.

 -الجدة: أتمنى أن يحفظنا الله من شر العدو و أن يرعى أمينة و زوجها بفرنسا.

 

و دقت ساعة الحائط معلنة عن انتصاف الليل. مضت سنة و حلت أخرى مبشرة بانتهاء الحرب و عودة السلام.


المشهد الثاني و العشرون:

 

ياسمينة جالسة على الفراش حذو أمها المريضة جدا و هي تخيط بعض الملابس. نظراتها تهتم تارة بالخيط و تارة أخرى بأمها المغمضة العينين و قد صعب تنفسها.

إنها الساعة الخامسة مساء كما تشير إلى ذلك ساعة الحائط.

يفتح الباب و يدخل عدنان (25 سنة)

- عدنان: السلام عليكم.

- ياسمينة: و عليكم السلام. أهلا عدنان.

- عدنان: كيف حال أمي؟

- ياسمينة: كما عهدتها.

- عدنان: (متجها نحو الدواء) هل تشرب الدواء بانتظام؟

- ياسمينة: نعم و لكن السعال لا يرحمها و أنفاسها ضعيفة... سأحضر لك الطعام.

تخرج ياسمينة نحو المطبخ.

- عدنان: شكرا. (يأخذ كرسيا و يجلس إلى الطاولة) آه كم أنا متعب؟(يصمت قليل ثمّ يضيف بصوت مرتفع)  لقد بعث إلينا أدمير برسالة. (يدخل يده في جيبه و يخرج الرسالة)

- ياسمينة: (و هي في المطبخ) كيف حاله؟ هل يدرس بجد؟

 - عدنان: طبعا. لقد أصبح رجلا هذا الصبي و يمكنك الاعتماد  عليه. يجب أن تكوني فخورة به. (تعود ياسمينة من المطبخ و هي تحمل بعض الأطباق)

- الجدة: (في صوت ضعيف) أدمير...أدمير...هل عاد أدمير؟

- عدنان: (يتجه نحو أمه) كلا يا أمي... بل بعث برسالة إنه لا يتوقف عن السؤال عليك و على صحتك.

- الجدة: لقد اشتقت إليه كثيرا و...(ثم تسعل بشدة)

- ياسمينة (واضعة الطعام على الطاولة): أمي أرجوك لا تجهدي نفسك.

يشرع عدنان في تناول الطعام و تعود ياسمينة حذو أمها و تستعيد خياطة الملابس.

- عدنان: سيصبح إبنك طبيبا ماهرا سترين.

يطرق الباب فتدخل  سنالا و ابنها أمير.

- أمير: مساء الخير.

- ياسمينة: أهلا أمير. ادخل. مرحبا  سنالا.

- سنالا (لياسمينة): كيف حال أمك؟ هل تحسنت حالتها؟

- ياسمينة: هي كما عهدتيها... ندعوا لها بالشفاء... هل وصلتك أخبار عن أمينة؟

- سنالا: هي بخير. لقد بعث إلينا أخي برسالة.

- ياسمينة: و كيف حال ابنتهما الصغيرة؟

- سنالا: (مازحة) لم تعد صغيرة يا خالتي...فهي ستدخل إلى المدرسة في السنة القادمة.

- ياسمينة: آه... إن الأيام تمر بسرعة.

- سنالا: يقول أخي بأنه سيحاول أن يزورنا في الشهر القادم. فأمينة قلقة جدا على أمها.

صمت قصير يقطعه عدنان.

- عدنان: آه لقد تذكرت. (يقف و يمشي نحو معطفه فيخرج منها  بطاقة ثم يتجه نحو أمير) أدمير يبلغك أحر تحياته و قد بعث إليك بهذه البطاقة.

-  أمير: صحيح؟ إنه صديق طيب. كيف حاله؟ (وهو يتفحص البطاقة) هل هو على ما يرام؟

- عدنان: بلا. إنه يقول أن ظروف الدراسة تتحسن. لقد تعود على الحياة في صربيا و كون عدة صداقات.

- ياسمينة : (في صوت منخفض) كيف يجرأ على مصادقة الصرب؟ لقد قتلوا الكثير منا و شردوا الآلاف.

- عدنان: ذاك عهد ولى و مضى. أدمير هو ابن اليوم.

- ياسمينة: بل إن الطيور على أمثالها تقع.

- سنالا: (في تعجب) ياسمينة.

- أمير:  ماذا تقصدين خالتي ياسمينة؟

- ياسمينة: لا شيء لا شيء.

- عدنان: (في سخرية) خالتك طعنت في السن و أصبحت تهذي.

- أمير: (و قد تحرج من الموقف) أرجو أن تمكنني من عنوان أدمير حتى أراسله.

- عدنان: طبعا...طبعا.