المشهد الثالث و العشرون:

 

نحن الآن في بلغراد عاصمة صربيا. نتجه نحو مبنى ضخم. إنها كلية الطب.

 نرى أدمير على طاولة الدرس يكتب ملاحظات الأستاذ..ندخل قاعة الدرس فنشاهد الأستاذ و هو يدرس

- الأستاذ: و هكذا فإن عمل المخ مرتبط ارتباطا وثيقا بالأعصاب التي تترجم العوامل الخارجية إلى ذبذبات كهربائية فيستوعبها المخ في شكل إحساس.(وهو ينظر إلى ساعته) غدا نكمل الدرس.

ينصرف التلاميذ.

في أحد ممرات الكلية نشاهد أدمير حاملا كراسه و هو بصدد الإنصراف و من جهة أخرى نرى مجموعة من زملائه الصرب واقفون يتحادثون. و عندما يقترب منهم يهمز أحدهم فيستدرون نحوأدمير بنظرات ساخرة.

- أدمير: مرحبا.

يصمت الجميع في حين يكتم أحدهم ضحكاته. يمر أدمير و ما إن يبتعد قليلا حتى يناديه أحدهم.

- الزميل: هاي أنت.

يلتفت أدمير فينشغل الآخرون عنه في ضحك. يواصل أدمير طريقه مضطربا نوعا ما.

حصل كل هذا أمام سلافيسا الذي كان واقفا أمام أحد السبورات.

-سلافيسا: (لاحقا بأدمير) أدمير...أدمير..

-أدمير: (مواصلا طريقه بدون أن يلتفت) ماذا تريد أنت أيضا؟

- سلافيسا: أدمير؟ أنا لست مثلهم. أنسيت أننا أصدقاء؟ دعهم و شأنهم إنهم عنصريون و يكرهون المسلمين.

- أدمير: (في نرفزة) و أنت تحبهم؟  دعني و شأني.

- سلافيسا: أنا لا أحبهم و لا أكرههم. بل أكره ما يفعل هؤلاء معك.  هم يسخرون مني أيضا بسبب إعاقة أذني.

- أدمير: (يتوقف عن المشي و ينظر إلى سلافيسا في حذر) خالي كان على حق. كان دائما يقول أن الحرب انتهت على الميدان لكنها لم تنته في القلوب.

- سلافيسا: لو سلمنا برأي خالك لعم الخراب في هذه البلاد. علينا أن نصحح عقليات الناس سواء كانوا صربا أو بوسنيين.

- أدمير: كلام جميل و لكنه خيالي.

يواصل أدمير السير في بطء.

-أدمير: أنا آسف سلافيسا إن تصرفت معك بقسوة... لا أنكر أنك صديق وفيّ و لكن....

-سلافيسا: دعك من هذا و لا تكترث بما يفعلون. أنت أيضا إنسان طيب و لولا أنك تشرح لي بعض الدروس لما وفقت في دراستي.(مازحا) أنت تعلم أن لي أذن شيخ.

- أدمير(مبتسما): هذا واجب بين الأصدقاء.


المشهد الرابع و العشرون:

 

نرى ساعة فوق طاولة النوم و الوقت يشير إلى الثامنة مساء.

أدمير و قد انتهى من إعداد قهوة يصبها في فنجان ثم يضعها فوق مكتبه. يجلس إلى المكتب و يستعد للدراسة. يفتح كتابا فيرى صورة له عائلية: ( الجميع ملتف حول الجدة)

ينظر أدمير إلى الصورة بعشق ثم يتنهد و يقول

-أدمير: جدتي. ترى كيف حالك؟ لقد اشتقت إلى صدرك الحنون و إلى عطفك علي.

ثم ينظر إلى صورة أمه.

-أدمير: أمي...كالعادة لا تعرف الابتسامة...و لكنها طيبة....و جميلة...و حزينة. يقولون أن ذلك بسبب موت أبي في الحرب. أبي.....


المشهد الخامس و العشرون:

 

نحن الآن في بهو منزل و فيه صالون جلس فيه سلافيسا يتفرج على التلفاز و يطالع كراس.

نسمع صوت الباب يفتح و يغلق.

-سلافيسا: هذا أنت أبي؟

-الأب: نعم( يظهر الأب هو بيتار) مساء الخير.

-سلافيسا: مساء الخير.

-بيتار ( واضعا معطفه و حقيبته) أين أمك؟

-سلافيسا: في المطبخ بصدد إعداد العشاء.

يدخل بيتار إلى المطبخ و قد كان مغلقا. فيجد جلينة بصدد قلي بعض السمك.

-بيتار: مساء الخير عزيزتي.

-جلينة: هذا أنت؟ هيا اجلس إلى الطاولة. الطعام قد جهز تقريبا.

-بيتار( وهو يجلس): سلافيسا...تعالى لتتعشى يا بني.

بيتار يصب كأس ماء في حين يجلس سلافيسا إلى الطاولة.

جلينة و هي تضع السمك في الصحون: ها قد انتهيت...سلافيسا هل تريد أن تقص بعض الخبز؟

سلافيسيا موافقا يقص بعض الخبز و يأكل الجميع.

-بيتار: كيف هي أحوال الدراسة؟

-سلافيسا: بخير. سنشرع في إنجاز الامتحانات الأسبوع القادم.

-جلينة: أكيد أن أجواء الدراسة الجامعية تختلف عن تلك التي اعتدت عليها في المعهد؟ أسلوب جديد و أصدقاء جدد  (في مداعبة)  و صديقات.

-سلافيسا: ليس هناك من علاقات خاصة. علاقاتي دائما سطحية.

-بيتار: أنت دائما هكذا. صعب المعاشرة. لا أدري لماذا.

-سلافيسا: أنا فقط لا أجد من يشبهني. كل الشباب لا يحسنون إلا الهرج و التسلط . البعض منهم يسخر من إعاقتي. إنهم يدعونني بالأصم.

جلينة تنظر إلى بيتار في حرج.

-سلافيسا: إلا أني تعرفت على صديق من سراييفو اسمه أدمير . شخص متواضع و رصين.

-بيتار: إم....مسلم إذا.

-سلافيسا: نعم. و رغم ذلك فإني أرتاح له كثيرا. إنه صديق طيب فهو يشرح لي ما يعسر علي استماعه من الأستاذ.

-بيتار: كن حذرا من المسلمين. إنهم يكرهوننا و...

-سلافيسا(مقاطعا): كلا أبي. إنه  ليس كما تقول. أدمير ليس بالإنسان الحقود و لا يهتم بالأنساب و العروق....و أنا مثله.

-بيتار( في سخرية): هذا أفضل.

-سلافيسا (ناظرا إلى والديه): أرجو أن لا تمانعا إذا ما استدعيته إلى منزلنا لنراجع معا.

-بيتار: ما دمت تقول أنه يشرح لك بعض الدروس فلا مانع عندي.

-جلينة: و أنا أيضا. مرحبا به في كل وقت. المهم أن تنجح في دراستك و أن تكون سعيدا بهذه الصداقة.


المشهد السادس و العشرون:

 

ياسمينة تخرج من الدار جارية نحو دار جارتها سنالا منادية.

-ياسمينة: سنالا...سنالا...

-أمير يفتح الباب: ماذا هناك ؟ هل أنت بخير؟

-ياسمينة: أرجوك أسرع إلى عدنان إنه في عمله واطلب منه أن يحظر حالا فأمي مريضة جدا.

-سنالا( تظهر من وراء الباب): هيا أسرع و لا تضع وقتا.

 

نرى الآن طائرة تحط في مطار سراييفو. نرى داخل المطار أمينة و زوجها وابنتها الصغيرة وهم محملون بالحقائب.

 

ياسمينة جالسة حذو أمها التي صعب تنفسها. سنالا تنظر إليها في قلق. يدخل عدنان لاهثا.

-عدنان: ماذا جرى؟ هل هي بخير؟

-ياسمينة: كما ترى بين الحياة والموت.

-عدنان: أمي...أمي...هل تسمعينني؟(متجها نحو الباب) عليّ أن أستدعي الطبيب.  

-سنالا (في صوت منخفض): أخشى أن لا ينفع ذلك. إنها تحتضر.

-الأم: (بصعوبة) ياسمينة...أوصيكي خيرا بأدمير...أمينة...عدنان...

-أمير: سأذهب أنا لأستدعي الطبيب.

يخرج أمير و يجلس عدنان حذو أمه.

 

أمينة و زوجها و ابنتهما ينزلون من سيارة أجرة أمام المنزل.

-زوج أمينة: هل نذهب إلى دار سنالا ثم إلى داركم أم العكس؟

-أمينة: أنا مشتاقة جدا إلى أمي.

 

-عدنان: أمي هل تسمعينني؟

-الأم (بصعوبة) عدنان....أدمير...كن بجانبه دوما. إنه يحتاج إليك.

 

يفتح الباب فتتسلل منه أمينة في سرعة قائلة

-أمينة: مفاجأة.

يلتفت الجميع نحوها. تهب ياسمينة و تلقي بنفسها في أحضان أختها باكية.

-أمينة:ياسمينة ما بك؟

-عدنان (وهو يحيي أخته) أمي مريضة جدا.

تجري أمينة نحو أمها.

-أمينة: أمي...أمي...أنا ابنتك أمينة...هل تسمعينني؟

-الأم: أمينة؟  أنت أمينة؟ الحمد لله أني رأيتك قبل أن أموت.

-أمينة: لا تقولي هذا أرجوك. ستكونين بخير إن شاء الله. (نحو عدنان) مما تشكو أمي؟

-عدنان: إنه مرض السعال المزمن كالعادة.

-أمينة (نحو ابنتها) أنّا. تعالي و سلمي على جدتك. أمي هذه أنّا بنيتي.

تتقدم البنت في حذر و تقبل جدتها.

-الأم:(وهي تدير أنظارها بصعوبة نحو الطفلة)  أنّا...حبيبتي...ما أجملك من عروس...حفظك الله.

تموت الأم فتنقطع أنفاسها و تنغلق عيناها.

-أمينة و ياسمينة: (صائحتان) أمي.


المشهد السابع و العشرون:

 

أدمير يستيقظ مذعورا من نومه.

-أدمير: أوه  يال هذا الحلم المزعج. اللهم اجعله خيرا.

يفرك عيناه و ينهض من فراشه بعد أن لاحظ أنها السابعة صباحا.

أدمير ينتظر الحافلة. نرى سيارة تقترب و بداخلها  سلافيسا و بيتار.

-سلافيسا: أبي إني ألمح صديقي أدمير في انتظار الحافلة هل يمكن أن نصطحبه معنا؟

-بيتار: لا مانع عندي.

وصلت السيارة أمام باب الكلية. ينزل الولدان.

-أدمير: شكرا لك سيد بيتار.

يدخل الولدان إلى الكلية.

-سلافيسا: لم يبق إلا يومان نكمل فيهما اللإمتحانات ثم تأتي العطل.

-أدمير:نعم. لقد اشتقت كثيرا إلى أهلي.

و هما يدخلان قاعة الدرس.

-سلافيسا:  ما رأيك لو تأتي الليلة إلى منزلنا لنراجع  معا.

-أدمير: شكرا على دعوتك و لكن...

-سلافيسا: (مقاطعا) إذا أعتبرك موافقا (وقد وصلا إلى مكان الإمتحان) حظا سعيدا.

-أدمير: شكرا وأنت كذلك.

 

نرى جمعا من الناس يحملون جثمان الجدة إلى صلاة الجنازة. نلمح من بعيد أمينة و ياسمينه تبكيان. عدنان يحمل جثمان أمه.

نرى جلينة تدخل على أدمير و سلافيسا و هما يراجعان و بيدها طبق عليه بعض السندوتشات.

نرى الناس يؤدون صلاة الجنازة على الجدة.

نرى أدمير و سلافيسا و هما يراجعان و يأكلان السندوتشات.

نرى القبر و قد تم دفن الجدة. باقة من الورود توضع عليه.


المشهد الثامن و العشرون:

 

 

إنه يوم الإعلان عن نتائج الامتحانات. نرى جمعا من التلاميذ ملتفين حول سبورة . سلافيسا يخرج بعسر من هذا الجمع متجها نحو أبيه.

-سلافيسا: نجحت...نجحت...

-بيتار: مبروك يا بني. أرجو أن تواصل على هذا المنوال. هيا بنا لنخبر أمك.

وبينما هما يغادران إذ بأدمير يظهر.

- سلافيسا: تهاني يا أدمير لقد نجحت بامتياز.

- أدمير: حقا؟ و أنت؟

- سلافيسا: أنا أيضا نجحت و لكن بملاحظة متوسط.

- أدمير: مبروك. تهاني الحارة سيد بيتار.

- بيتار: شكرا.

- سلافيسا: في الحقيقة أنا مدين لك يا أدمير لأنك كنت تساعدني دائما على فهم الدروس ولقد استفدت كثيرا من المراجعة معك.

- أدمير: لا تقل هذا أرجوك. بل أنا الذي أشكركم على الجو العائلي الذي وفرتموه لي (مستدركا) أنا آسف علي أن أسرع الآن سألقي نظرة على النتيجة ثم أجهز نفسي للعودة إلى سراييفو (مصافحا سلافيسا) الوداع سأراسلك في العطلة. (مصافحا بيتار) الوداع سيد بيتار أبلغ تحياتي إلى السيدة جلينة.


المشهد التاسع و العشرون:

 

نشاهد ساقان واقفتان أمام قبر الجدة. ترتفع الكاميرا شيئا فشيئا , إنه أدمير و الدمع ينهمر من عينيه. عدنان على يمينه يربت على كتفه.

- عدنان: عليها رحمة الله...كانت تحبك كثيرا.

- أدمير: أجل...كانت تحنو علي كثيرا...و تلعب معي...وتمنع أمي من ضربي عندما كنت صغيرا....كانت...

-عدنان: كفى بكاء يا أدمير وادع لها بالرحمة.

-أدمير:(موافقا برأسه) رحمها الله.(وقد كان يمسك بوردة بيده فيضعها على القبر) .

-عدنان: هيا بنا إلى البيت الآن فالكل مشتاق إليك.


المشهد الثلاثون:

 

بعد ثلاثة أيام.

أدمير في دارالجارة سنالا يجلس حذو أمير  في حين جلس الزوج حذو زوجته على أريكة .

-زوج سنالا: الحمد لله أنك نجحت بامتياز.

-أدمير:شكرا.

-سنالا: كانت جدتك رحمها الله تود أن تراك طبيبا في أقرب حين.

-أدمير: رحمها الله.

-زوج سنالا: (مقاطعا) ارو لنا عن ظروف العيش هناك. كيف تراهم يعاملون المسلمين؟

-أدمير: لا تزال هناك نوع من العنصرية و لو أنها خفية نوعا ما. أنا لا أعرف لماذا يكرهوننا.

-زوج سنالا: هم هكذا كما عهدتهم منذ زمن الحرب.

-أدمير: و لكن هذا لا يمنع أن البعض منهم طيبون. لقد تعرفت هناك على صديق  و كنت كثيرا ما أزوره في بيته. إنهم أناس كرماء. فتحوا لي بيتهم و قدموا لي يد المساعدة.

-أمير: هل تقصد سلافيسا الذي حدثتني عنه في رسائلك؟

-أدمير: نعم.

-زوج سنالا: أنصحك بالحذر. فليس في الصرب أمان.

-أدمير: أنا أعتبر نفسي صديقا لإبنهم.

-زوج سنالا: و ماذا يعمل والد صديقك هذا؟

-أدمير: السيد بيتار ساراجليك هو  صاحب مركز مرموق بوزارة الدفاع و له نشاطات حزبية أخرى. إنه مشهور جدا هناك.

سنالا تتوجه نحو المطبخ.

-زوج سنالا: نعم...نعم...يخيل لي أني سمعت بهذا الإسم من قبل...و لكني لا أتذكر متى أو أين.

-أمير: حدثنا عن المناطق التي زرتها هناك.

أدمير:  في الحقيقة كنت كلما سمحت ظروف الدراسة أذهب مع سلافيسا لزيارة بعض المناطق الخضراء. أنت تعلم أني أحب التنزه في الغابات.

سنالا تعود بكؤوس الشاي و توزعها.

 يطرق الباب و يدخل عدنان.

-زوج سنالا: آه هذا أنت عدنان هيا اجلس و تناول معنا الشاي.

-عدنان: في الحقيقة لقد أردت أن أصطحب معي أدمير إلى السوق. لا شك أنه اشتاق إلى أجوائه.

-أدمير: فكرة جيدة. على إذنكم إذن. أمير هل تذهب معنا؟


المشهد الواحد و الثلاثون:

 

 نرى  ياسمينة  بصدد تركيب زر بأحد الأثواب في بهو البيت.

تدخل أمينة من المطبخ.

-أمينة: أين ذهب أدمير؟

-ياسمينة (غير مهتمة) : لا أدري.

-أمينة: الغذاء جهز و لم يعد بعد إلى البيت.

-ياسمينة: لعله حنّ إلى الصرب فرجع إليهم.

-أمينة (في تعجب و غضب): ياسمينة أرجوك كفّي عن هذيانك. ما هذا الكلام؟ ألا يكفي أنه لا يشعر بحنانك عليه؟ أنسيتي وصية أمّنا؟

تنهض ياسمينة و تتجه نحو صورة أمها المعلقة على الحائط.

-ياسمينة: لم أنس.

تقترب أمينة من ياسمينة.

-أمينة: أرجوك حاولي أن تكوني عطوفة على ابنك. إنه بريء ممّ حصل. اجعليه يشعر و لو لمرة واحدة في حياته أنك تحبينه...ككل الأمهات.

نرى ياسمينة من خلال المرآة و قد اغرورقت عيناها بالدمع.

-ياسمينة: حاولت ذلك مرارا صدقيني...ولكن...ولكني أرى في وجهه ملامح أبيه... ذلك الوحش...كنت أنظر إليه بتوسل...وهو...

-أمينة: (مقاطعة) يكفي أرجوك. انسي يا أختي....يجب أن تنسي كل ما حصل. أرجوك...أرجوك.


المشهد الثاني و الثلاثون:

 

خيم الليل على المدينة. الضوء ينبعث من شباك منزل سنالا.

نرى سنالا و زوجها و أمير بصدد تناول العشاء. و فجأة يتوقف زوج سنالا عن الطعام و كأنه تذكر شيئا ما ثم يتجه مسرعا نحو الباب.

-سنالا: إلى أين؟

-زوج سنالا: سأعود حالا. نسيت أن أقدم الماء للبقرة. 

-سنالا: أتمم طعامك ثم اذهب إليها.

-زوج سنالا: سأعود حالا...لا بد...

-أمير: غريب أمره...

 

نرى زوج سنالا ممسكا  بقنديل نفطي. يفتح باب الإسطبل و يدخله.  يتجه نحو صندوق قديم و ضخم. يفتحه و يضل يخرج منه أشياء و أوراقا كلما  تصفحها إلا و ألقى بها جانبا. ثم يتجه إلى خزانة قديمة. يفتحها فيتساقط الغبار من أبوابها. يقرب القنديل من أسفلها فيرى كيسا. يفتحه و يخرج منه رشاشا و بعض الأوراق. يطرح الرشاش جانبا ثم يتناول الأوراق يتفحصها. و فجأة يتوقف نظره على إحدى الأوراق. إنها بطاقة بيتار.

-زوج سنالا: يا إلاهي...لا...لا....أرجو أن لا يكون هو.

 

-أمير( و قد انتهى من تناول العشاء): سأشاهد  التلفاز.

يدخل أمير إلى الصالون و تتجه سنالا إلى المطبخ.

يدخل زوج سنالا إلى الدار شارد الذهن. يلاحظ أمير دخول أبيه. يقترب زوج سنالا من باب  الصالون ليتأكد من أن ابنه منشغل بالتلفاز غير أن أمير يفطن به فيتشاغل بالتلفاز. يتجه زوج سنالا إلى المطبخ.

-أمير(وقد لاحظ إغلاق باب المطبخ) : إن في الأمر لسر.

-زوج سنالا (وهو يغلق الباب): سنالا....هل تعلمين من يكون بيتار ساراجليك؟

- سنالا: من؟...ما بك  تغلق الباب؟

 -زوج سنالا: هل تذكرين أن أدمير قد قال إنه يتردد على منزل صد يق في صربيا وأن صاحب هذا المنزل يدعى بيتار ساراجليك؟

نرى أمير يقترب من باب المطبخ و يرهف السمع.

-سنالا: نعم أذكر ذلك.

-زوج سنالا: هناك مشكلة و آمل أن أكون مخطئا.

-سنالا: أرعبتني يا رجل تكلم ماذا هناك؟

-زوج سنالا: إن أحد الجنديان اللذان اغتصبا ياسمينة و أمينة يدعى بيتار ساراجليك.

-سنالا: يا إلاهي....

-زوج سنالا: لا زلت أحتفظ بأوراق الجندي و رشاشه. لقد تثبت في الأمر و تأكدت أنها للسيد بيتار ساراجليك.

-سنالا: ربما يكون رجل آخر يحمل نفس الإسم.

-زوج سنالا: و ربما يكون هو أب أدمير.

أمير مندهش مما يسمع.

-سنالا: يال المصيبة. و ماذا ستفعل؟ هل ستخبره بالحقيقة؟

-زوج سنالا: و ما الفائدة؟ لا ....لن أفعل.....لا أدري...

أمير يتراجع نحو الصالون.

-أمير: لا...لا... لا أصدق ما أسمع. هل يعقل أن أدمير هو ابن لرجل صربي؟


المشهد الثالث و الثلاثون:

 

أمير و أدمير على ضفاف النهر يصطادان

-أدمير: أحس أن إحدى السمكات تقترب من الصنارة.

-أمير(بعد صمت): ...نعم.

-أدمير: أمسكت بها...انظر..إنها كبيرة. أليس كذلك؟

-أمير:...بلى.

يثبت أمير صنارته إلى إحدى الصخور ثم يجلس في ظل شجرة  في حين يلقي أدمير بصنارته من جديد.

-أدمير: هل يئست من اصطياد السمك؟

-أمير:...لا.

-أدمير:إذن فما الأمر؟

-أمير: لا شيء أنا متعب قليلا. (بعد صمت و تردد) أتذكر.... عندما كنت تقول لي بأنك تحس أن أمك تعاملك بقسوة و لا تعطف عليك؟ هل مازالت على ذلك الطبع؟

-أدمير:ما الذي جعلك تذكر هذا؟

-أمير:لا شيء....و...ولكن أردت أن أعرف إن كان بعدك عنها قد غيرها.

-أدمير: في الحقيقة...كان استقبالها لي باردا وكأني لم أغب عنها يوما.

-أمير: احكي لي عن والدك. بماذا كانت جدتك تخبرك عنه؟

-أدمير:أبي؟...كانت تقول أنه كان قويا و صنديدا و...ولكن ما سر هذه الأسئلة؟

-أمير: أردت فقط أن أعرف...

-أدمير: أن تعرف ماذا؟

-أمير: أن أعرف أوصافه فأنا لم أشاهد صورته قط.

-أدمير: و لا أنا.

-أمير: أليس لوالدك أهل؟ أليس لك عم أم عمّة؟

-أدمير: جدتي كانت تقول أن والدي مات لما ذهب لزيارة أهله فسقطت قنبلة دمرت كامل العمارة التي كانت  تقطن بها  عائلة أبي.

يطرح أدمير صنارته جانبا و يتجه نحو صنارة أمير التي يبدو و كأن سمكة علقت بها. يخرج أدمير السمكة و يحملها نحو أمير.

-أدمير (وهو يضع السمكة في سلّة): انظر إليها...

يجلس أدمير حذو أمير.

-أدمير: أحسّ أنّك تود أن تقول شيئا ما. ماذا تخفي؟

أمير مطرقا لا يجيب.

-أدمير: تكلّم. عهدتك صديقي ولا تخفي عني شيئا.

-أمير:حسن... أردت أن أريك شيئا ما.

-أدمير: ما هو هذا الشيء؟

-أمير: تعالى معي و لا تسألني شيئا حتى ترى الصورة.

-أدمير: صورة؟

-أدمير: اتبعني...

نرى أمير و أدمير يدخلان الإسطبل.

-أمير: (وهو يخرج رشاش و أوراق بيتار): انظر إلى هذه البطاقة. هل تعرف صاحب الصورة.

-أدمير(وهو يتفحص البطاقة): يا إلاهي هذه صورة السيد بيتار. من أين لك هذه البطاقة؟

-أمير : بالأمس بينما كنا نتناول العشاء إذ بأبي يسرع إلى الإسطبل ثم يعود في خفية و يخبر أمي في خلسة بأن بيتار...هو أحد الجنود الذين شاركوا في الحرب ضدنا في التسعينات.

-أدمير: يال المفاجأة السيد بيتار كان جنديا إذا. هذا ممكن. و لكن من أين لأبيك بهذه الأوراق و هذا الرشاش؟

أمير يتراجع و يلزم الصمت.

-أدمير: ما بك تنظر إلي هكذا؟ هل كان أبوك جنديا أيضا؟

أمير لا يجيب.

-أدمير:هل الأمر  خطير إلى هذه الدرجة؟ إنك تخيفني.

-أمير: أخشى أن أكون قد أسأت فهم ما سمعت.

-أدمير: أخبرني بما سمعت و سوف أقول لك إن كان ما سمعته صحيح أم  خطئ.

-أمير: حسنا سأقول لك ما سمعت و لكن  لا تسىْ  فهمي أرجوك. سمعت أبي يقول....

 

نرى أدمير يخرج جاريا من الإسطبل وكأنه هارب من الموت.

-أمير: (صائحا و هو يلحق به) أدمير قف أرجوك دعني أشرح لك...أدمير....انتظرني...

 نرى أدمير جالسا على ضفة النهر واضعا وجهه بين كفيه. أمير يأتي لاهثا.

-أمير(لاهثا): أبي قال ربما يكون هو. ليس من الأكيد أنّ بيتار...

-أدمير: لا يهم من يكون  أبي....الأهم أنّي لست بمولود شرعي. كم كنت غبيا... كيف استطاعوا أن يكذبوا عليّ طوال هذه المدة. الآن عرفت لماذا كانت أمّي تعاملني بهذه القسوة. طبعا... أنا ابن صربي منها برغم أنفها. أنا جرح في قلبها.

-أمير: لا تقل هذا. بل أنت بوسني منّا و إلينا. نشأت بيننا و...

-أدمير(مقاطعا): اصمت أرجوك.

ينهض أدمير و يعدو هاربا.

-أمير: انتظر إلى أين تذهب؟

-أدمير: اتركني و حيدا.


المشهد الرابع و الثلاثون:

 

يصل أدمير إلى المنزل و هو يمشي بخطى بطيئة مطأطأ الرأس. يضع يده على قفل الباب لكنه لا يجرأ على فتحه. يتراجع و يجلس على عتبة الدار.

-أدمير(مسرّا لنفسه):  مستحيل... كأنني أحلم... لو كان أمير لم يفهم كلام أبيه جيدا. وجدتي كانت تكذب علي أيضا؟  كانت تقول إن أبي مات في الحرب. وماذا تريدها أن تقول لي؟ ولكن تصرفات أمي معي لم تكن في يوم من الأيام عادية... أذكر أن خالي عدنان أخبرني في يوم من الأيام بأن الصرب اغتصبوا الكثير من النساء أيام الحرب ... الأوغاد...كم أكرههم. (يخرج بطاقة بيتار و يتفحصها من جديد) لو تكون أنت بحق صاحب الفعلة فسترى مني ماذا سأفعل بك. (ممسكا برأسه) آه رأسي....

 

نرى ياسمينة داخل المنزل تتفطن من خلال البلور إلى وجود ابنها أمام عتبة الدار. تتذكر ياسمينة كلام أختها أمينة لما قالت لها: أرجوك حاولي أن تكوني عطوفة على ابنك.

يفتح باب الدار فتظهر من وراءه ياسمينة.

تتوجه ياسمينة نحو أدمير و تجلس بجانبه في حين يتجاهلها أدمير.

-ياسمينة: مابك حزين؟

-أدمير: (بعد صمت) لأول مرة تشعرين بما أشعر به.

-ياسمينة: أنت حزين فعلا؟ مالسبب؟

-أدمير: أمي.  حدثيني عن أبي. أين كان يسكن قبل أن يتزوجك؟

-ياسمينة: ماللذي ذكرك بأبيك الآن؟.

-أدمير: دائما تتهربين من الحديث عنه.

-ياسمينة: (في تردد) كان...كان يسكن في الضاحية الشمالية للمدينة.

-أدمير: و ماذا كان يعمل؟

-ياسمينة: كان مشتغلا بالتجارة.

-أدمير(بعد صمت): أذكر أن جدتي قالت لي بأنه كان موظفا في إحدى الشركات.

-ياسمينة (في تردد) نعم كان موضفا في إحدى الشركات التجارية. إذا فهو تاجر.

-أدمير: هل كان يشبهني؟ ألا تحتفضين بصورة له؟

-ياسمينة: (صائحة) ألا تكف عن هذه الأسئلة الغريبة؟

-أدمير: لم أرى في حياتي زوجة غيرك  تنزعج عندما يذكر زوجها.

تنهض ياسمينة و تتجه نحو الباب لتدخل.

-أدمير: أمّي.

تتوقف ياسمينة دون أن تستدير له. يقف أدمير يتجه نحوها و يقف أمامها. يخرج بطاقة بيتار و يقول و هو يفتحها.

-أدمير: أمّي هل تعرفين هذا الرجل؟

ما إن ترى ياسمينة الصورة حتى تشهق شهقة واحدة وتتراجع  إلى الخلف مستحضرة أحداث الواقعة.

-أدمير: (باكيا) أنا آسف أمّي و لكن يجب أن تجيبيني. هل تعرفين هذا الرجل؟

-ياسمينة (مضطربة) اغرب عنّي...اغرب عنّي...

-أدمير: هل هذا هو أبي؟

-ياسمينة:(في اضطراب) فلتذهب إلى الجحيم أنت و أبوك. (ثم باكية وهي تدخل المنزل) اغرب عني ...

 

يجري أدمير نحو إسطبل زوج سنالا. يتناول كيسا يضع فيه الرشاش و الأوراق ثم يخرج جاريا.

-سنالا (و قد تفطنت إلى خروج أدمير من الإسطبل) أدمير...إلى أين تعدو هكذا؟   أين أمير؟

-أدمير(في صدره) سأنتقم لك يا أمّي.


المشهد الخامس و الثلاثون:

 

يدخل عدنان المنزل فيجد ياسمينة منكمشة على نفسها تخفي وجهها بين يديها.

 

-عدنان:  مساء الخير.

ياسمينة لا تجيب.

-عدنان: مساء الخير...أوو...ياسمينة..هل نمت؟

ترفع ياسمينة رأسها فيكتشف عدنان أنها كانت تبكي.

-عدنان: ياسمينة...لماذا تبكين؟

-ياسمينة: أدمير.

-عدنان: ما به؟ هل أصابه مكروه؟

تشير برأسها نافية.

-عدنان: إذا فما الأمر؟

-ياسمينة: عرف أنّ أبوه ليس ميتا كما قلنا له...

-عدنان: ماذا؟ و كيف عرف ذلك؟

-ياسمينة: لا أدري. والأسوأ من ذلك أننّي أظن أنه تعرّف على هويته...لقد أراني صورة ذلك الصربي...

لا أدري أين وجد تلك البطاقة التي تحمل تلك الصورة.

-عدنان: و أين هو الآن؟

-ياسمينة: لا أدري...لقد انفعلت كالعادة و طردته من المنزل.

-عدنان: ماذا؟

-ياسمينة (متوسلة) أرجوك إلحق به...ابحث عنه.

يخرج عدنان جاريا مناديا باسم أدمير. فيتفطن إليه زوج سنالا.

-زوج سنالا: عدنان مابك تجري هكذا؟

-عدنان (متوقفا) هل رأيت أدمير؟

-زوج سنالا: كلاّ. أظنه ذهب لإصطياد السمك مع أمير. ولكن لماذا أنت مضطرب هكذا؟

-عدنان: ياسمينة تقول بأن أدمير قد تعرّف على والده الأصلي...و أنه يحمل بطاقة له.

-زوج سنالا: بطاقة؟ ربما عليّ أن أتأكدّ من...هيا اتبعني.

-عدنان: إلى أين؟

-زوج سنالا: إلى الإسطبل.


المشهد السادس و الثلاثون:

 

نرى أدمير في القطار و هو ينظر من خلال النافذة مطرقا ممسكا بالكيس. القطار يجري بسرعة مصفرا.

أدمير في محطة الوصول ينزل من القطار و هو يحمل الكيس ثم يغادر المحطة ويتجه إلى محطة الحافلات. الشمس قاربت على الغروب.


المشهد السابع و الثلاثون:

 

عدنان و زوج سنالا يقفان أمام الخزانة في اإسطبل.

-زوج سنالا:..وقد عرفت من تلك الأوراق أن ذلك الصربي يدعى بيتار... و المشكلة أنه والد أفضل صديق لأدمير.

 و قد أخبرنا أدمير أنه كان كثيرا ما يزورهم في بيتهم.

-عدنان: قد يكون رجع إلى صربيا. يا إلاهي لماذا يحمل الرشاش معه؟

-زوج سنالا: أرجو أن لا يرتكب حماقة.

ياسمينة و سنالا واقفتان لدى الباب.

-سنالا: رأيت أدمير يخرج جاريا من الإسطبل حاملا معه كيسا.

-عدنان: يجب أن نلحق به.

ياسمينة: خذاني معكما.

 

أدمير يمتطي الحافلة وتظهر عليه علامات الإضطراب.

زوج سنالا يسوق سيارته و بجانبه عدنان و ياسمينة.

 

ينزل أدمير من الحافلة و ينظر باتجاه منزل بيتار. الليل يخيم على المدينة.


المشهد الثامن و الثلاثون:

 

نحن الآن داخل منزل بيتار. الأضواء منطفئة و ينبعث نور من شمعة توسطت خبزة  مرطبات.

بيتار جلينة و سلافيسا حول الخبزة يغنون: عيد ميلاد سعيد يا سلافيسا...

يطفئ سلافيسا الشمعة و يصفق الجميع.

أدمير واقفا أمام باب المنزل و هو يحمل كيسا يلاحظ اشتعال الأضواء و يستمع إلى التصفيق.

-بيتار: عيد ميلاد سعيد يا بنيّ.

-سلافيسا: شكرا أبي.

-جلينة: عيد ميلاد سعيد يا حبيبي.

-سلافيسا: شكرا أمّي.

-جلينة: آه نسيت أن أحضر سكينا.

-بيتار: سأحضرها أنا.

بيتار و هو عائد من المطبخ وبيده سكينا و فجأة يرن الجرس.

 

-ياسمينة (داخل السيارة) أسرع أرجوك أسرع...

-زوج سنالا: نعم و لكنّي أفتش عن هاتف عمومي حتى أتحصل على عنوان بيتار من دليل الهاتف.

 

بيتار يفتح الباب فيرى أدمير واقفا أمامه و هو يخفي كيسا ورائه.

-بيتار (في استغراب) أدمير. أهلا....تفضل...لقد أتيت في الوقت المناسب...اليوم عيد ميلاد سلافيسا.

أدمير لا يجيب. يدخل بيتار تاركا باب المنزل مفتوحا و يتبعه أدمير بخطى ثقيلة.

-سلافيسا:(في دهشة) أدمير.يال المفاجأة. كنت متأكد من أنك لن تنسى عيد ميلادي. لكني لم أكن أتخيل أبدا أنك ستأتي. (وهو يصافح أدمير) هات هذا الكيس أحمله عنك. (أدمير يمنعه) حسن كما  تريد.

-بيتار: ما بك لا تتكلم؟ تبدو في حالة غريبة.

-أدمير:(بعد صمت قصير) هل...هل...هل أنت الجندي بيتار ساراجليك المرسّم تحت رقم 9356 من القوّات البرية الصربية التي شاركت في حرب التسعينات؟

-بيتار:(يضع السكين جانبا) ماذا ؟

-أدمير: أجبني سيد بيتار.

-بيتار:(بعد تردد) نعم أنا هو. و لكن...كان ذلك منذ زمن بعيد. (صمت) أوه أدمير أرجوك أن تفهم. لست الوحيد الذي شارك في الحرب ضدكم. كان ذلك منذ عشرين سنة. أما اليوم فالوضع تغير....ولكن من أخبرك بهذه المعلومات؟

أدمير لا يجيب.

-سلافيسا: أدمير...نحن أبناء اليوم و ما فعله آبائنا و أجدادنا  قد مرّ و انقضى. أنتم أيضا قتلتم الكثير...

-أدمير (مقاطعا) أنا لا أعني هذا.

 يخرج أدمير  بطاقة بيتار من جيبه ثم  يتجه نحو الطاولة التي يقف وراءها بيتار و يضع البطاقة أمامه.

-أدمير: هل تذكر هذه؟

يتناول بيتار البطاقة ويتفحصها جيدا ثمّ يتذكر موقفه مع صديقه (-بيتار:  آي يدي. الأوغاد كيف تفطنوا إلى وجودنا بالغابة.(يدخل يده في الجيب الداخلي لقميصه يخرج منديلا أخضر يضمد به جرحه) : دبا لقد أضعت كل أوراقي.)

تبدو علامات الإضطراب على بيتار.

-بيتار: يبدو أنني أضعتها أيام الحرب. أين وجدتها؟

-أدمير: (و قد تراجع إلى الخلف) لعلّك أضعت هذا أيضا (و يخرج الرّشّاش من كيسه فيفاجأ الجميع)

-بيتار: ما هذا؟

-أدمير: هذا رشّاشك. وجدوه مع أوراقك حذو...

-بيتار: (مقاطعا) أدمير...دعنا من الماضي أرجوك. مابك لا تفهم؟

-جلينة: حذو من؟

-أدمير: حذو أمّي...بعدما...(و يشهر الرّشّاش في وجه بيتار) بعدما اعتديت على شرفها .

-جلينة: (في دهشة) لا...لا...هذا مستحيل. أدمير أظنك مخطئ. بيتار لا يمكن أن يقوم بهذه الأشياء...لقد أقسم لي قبل زواجنا أنه لم يشارك في...

-أدمير (مقاطعا) : قد كذب عليك سيدتي.

-بيتار: (ضاحكا) إنك فعلا تضحكني...لا شك أنك تمزح.

-أدمير: أنا لا أمزح.

-بيتار (في غضب): إذا أنت ولد متهوّر. هيّا ضع هذا السلاح جانبا و دعنا نتحاور. اجلس أرجوك...اجلس.

بيتار يحاول الإقتراب من أدمير.

-أدمير: مكانك. لا تتحرّك.

-بيتار: (في غضب) أتهددني في منزلي...(يصمت قليلا ثم يضيف في هدوء) حسن دعني أسألك. كيف عرفت أننّي أنا الذي اعتدى على والدتك كما تدّعي؟

-أدمير: أنت لا تدري كيف تغير لونها واضطربت أعصابها لمّا رأت صورتك.

-بيتار: لعلّ الأمر التبس عليها فخلطت بيني و بين جنديّ آخر...(يصمت قليلا ثمّ يضيف) أعطني هذا السلاح إنه خطير و أنت لا تحسن استعماله.

يقترب بيتار من أدمير . نرى إصبع أدمير يضغط على زندان الرّشّاش و فجأة ينطلق رصاص فيصيب به السّقف.

-أدمير : حذرتك أن لا تقترب.

-بيتار (صائحا) أكيد أنك مجنون. هيا ارحل من هنا و سأحاول أن أعتبر أنك لم تكن في وعيك. هيا اخرج و إلاّ...

-سلافيسا: أدمير بصراحة أنا  أيضا لا أصدّق ما تقول. أرجوك دع هذا السلاح جانبا و لنتفاهم....ولكن لماذا لم تخبرني  بهذه الأشياء...كان بإمكاني أن أساعدك على معرفة الحقيقة.

-أدمير: الحقيقة واضحة. السيّد بيتار قد اعتدى على أمّي و عليه الآن أن يدفع الثمن.

-بيتار: (مبتسما) آه فهمت الآن. تريد بعض المال. و لهذا اخترعت لنا كلّ هذه الأحداث المشوّقة حتّى تقبض الغرامة.  حسن ...كم تريد؟

-أدمير: أنا لم آت لأشحذ.

-سلافيسا: أدمير...أرجوك يا صديقي..

-أدمير(مقاطعا) : أنا لست صديقك.

-سلافيسا (في أسف): لم تعد تعرفني ؟

-أدمير: أنا لست صديقك...أنا...أنا أخوك...و بيتار هو الذي أنجبني غصبا من أمّي.

جلينة يغمى عليها فيسندها سلافيسا.

-بيتار: دبّا لك أأتيت لتقتلنا واحدا واحدا؟ انظر ما فعلت بجلينة... أنت مجنون...أكيد...ألا تذكر بأنك قلت أنّ والدك مات في الحرب؟ ارحل لتوّك قبل أن...

يحاول بيتار الإقتراب من أدمير. لكن أدمير يشهر في وجهه السّلاح من جديد.

-أدمير: لم  أر  قبل اليوم صورة لأبي. كنت كلما حدّثت أمّي عنه إلا و غضبت و اضطربت...كانت تكرهني كما تكرهك...فأنا دائما أذكّرها بك. انظر إلى صورتك في البطاقة...ألا ترى أنك تشبهني؟

-بيتار (يتراجع و يلقي بنفسه على الأريكة) لا...لا...هذا هراء....أنت تكذب...

-جلينة (و قد استفاقت من غفوتها): بيتار أرجوك أخبرني بالحقيقة.

-بيتار(متجاهلا جلينة) فلنفترض أنّ أحد الصرب اعتدى على والدتك...لماذا لم تجهض أمك كبقية النساء؟

-أدمير (يصمت قليلا ثمّ)...لا أدري.

 

تدخل ياسمينة و عدنان و زوج سنالا.

-ياسمينة: أنا سأجيب عن هذا السؤال.

يقف بيتار مذهولا. تتجه ياسمينة نحوه في حين يتراجع هو في اتجاه الطاولة.

-ياسمينة: لقد أصبت بعد الحادثة بنوبة عصبية و فقدت وعيى  لعدّة  شهور حتّى تقدّم بي الحمل فعدت غير قادرة على الإجهاض (و هي تدور حول بيتار)...نعم...أنت هو...أنت...هو...لا زلت أذكر ....أودّ  لو أقتلك (تحاول ياسمينة الإمساك بعنقه).

يلاحظ بيتار السّكين ملقى على الطاولة فيتناوله بسرعة و يمسك برقبة ياسمينة.

-بيتار: تودون قتلي...يالها من مؤامرة حقيرة...القي رشاشتك و إلاّ قتلت أمّك.

-ياسمينة: لا تعبئ بكلامه...دعه يقتلني....فهو سفّاح.

-بيتار (صارخا) إذا لم تلق رشاّشتك فسألقي لك  برأس أمّك.

أدمير يلقي الرّشاش ببطء.

-بيتار: جلينا اطلبي الشرطة.

جلينا لا تتحرك و قد بدت عليها علامات الاضطراب.

-بيتار: حسن....سأفعل ذلك بنفسي.

يجرّ بيتار ياسمينة نحو الهاتف. يمسك السمّاعة بين رأسه و كتفه ثمّ يكوّن رقما.

-بيتار: ألو الشّرطة. أنا بيتار ساراجليك أرجو أن تحضروا حالاّ إلى بيتي....هناك أناس مسلّحون اقتحموا داري و حاولوا قتلي....نعم...12 نهج النصر...بسرعة أرجوكم.

-ياسمينة: أترمي بإبنك في السّجن؟

-بيتار: اخرسي أيتها العجوز الشّمطاء. أنت تهذين بلا شك.....أنا لا أصدّق أنا ابنك هذا هو منّي...

-زوج سنالا: أمّا أنا فأصدّق....هو أنت بدون شك....لا زلت أذكر أني رأيتك تقف بجنبها و هي جثّة هامدة. اكشف عن يدك و سترى الجرح الذي أصابك به عياري.

-بيتار: و من تكون أنت أيّها المحامي البارع. سأقذف بكم كلّكم إلى السّجن...(في صراخ) ماذا تريدون منّي.... لماذا ظهرتم في حياتي؟

-أدمير: أنت مجرم حرب... و يجب أن تدفع ثمن مارتكبته من جرائم.

-بيتار : (ضاحكا) جميل جدّا ما تقوله... سنرى من سيدفع الثّمن.

 

نسمع صوت سيارات الشرطة. يدخل جمع من رجال الشّرطة.

-الشّرطي: سيد بيتار هل أنت بخير؟

-بيتار(يدفع ياسمينة إلى الشّرطيّ بعنف) خذ هذه العجوز و هذا المتسكّع إلى مركز الشّرطة. لقد اقتحموا بيتي و حاولوا قتلي.

-الشرطيّ (آمرا زملائه) اقبضوا عليهم.

سلافيسا يخرج جاريا في غضب.

يخرج الجميع و يبقى بيتار و جلينة.

-بيتار: هل أنت بخير؟

جلينة تنظر إليه في خوف لا تجيب.

-بيتار: هل صدّقت ما قالت تلك العجوز؟

جلينة لا تجيب.

بيتار و هو يتأمّل في بطاقته يتجه نحو الرّشّاش. ينزل على ركبته. يتناول الرّشّاش و يتفحّصه جيدا. ّ يقف بيتار من جديد. يمزّق البطاقة في عنف يمشي بعض الخطوات ثمّ يرمي بالرّشاش على الأرض في اتجاه عموديّ بقوّة صائحا: دبّا. فينطلق عيار يصيبه في قلبه.

-جلينة: (صائحة) بيتار....لا....لا.....

 

نرى أدمير و قد اقترب من سيّارة الشّرطة لمّا سمع صوت الرشّاش. يفلت أدمير من أيدي  ا لشّرطيّ و يرجع راكضا نحو المنزل في حين تبتسم ياسمينة في سخرية.

-ياسمينة: فليذهب إلى الجحيم.

أدمير يصل إلى جثّة بيتار الذي سقط على وجهه. أدمير يدير الجثة فيرى وجه بيتار ملطخا بالدّماء ومغمض العينين. و فجأة  تمسك يد بيتار برجل أدمير.

-بيتار (محاولا فتح عينيه) أدمير.....سا...سامحني.(يموت بيتار).

-جلينة (ممسكة بأدمير) أنت الذي قتلته...أنت الذي قتلته..

الشّرطيّ يفرّق بينهما و يقود أدمير من جديد خارج البيت. يخرج أدمير ملتفتا إلى جثة بيتار و الدّمع يتساقط من عينيه. يتوقّف أدمير لدى الباب ناظرا إلى جثة بيتار.

-أدمير: (بصوت منخفض) أبي...مات؟

يغلق أدمير عينيه فتغمض عين الكاميرا معه.

 

 

                 النهاية

 

صيف 1996